خالد السعدي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

على ضريح السراب غنائية الحب بين مأساة الواقع وسراب التمني

اذهب الى الأسفل

على ضريح السراب غنائية الحب بين مأساة الواقع وسراب التمني Empty على ضريح السراب غنائية الحب بين مأساة الواقع وسراب التمني

مُساهمة  علاء السعدي الثلاثاء سبتمبر 22, 2009 9:29 pm

على ضريح السراب غنائية الحب بين مأساة الواقع وسراب التمني
خالد عبد الرضا السعدي
من منطقة الحب المضيئة، من غابة الآلام العاطفية الوارفة الأحزان والمتدفقة بالدمع،من وصايا القمر لنجومه الناعسة أن تدقّ أبواب الحسناوات الشاخصات إليه لحظة غيابه عن كبد السماء الصافية،ذاك القمر الدمشقي الذي شهد تنهدات العشاق وخفقات قلوبهم الوالهة.فكم قبلةِ على جبين عذراء طبعت أضواءه السحرية،وكم حسرةٍ لعشاقٍ ودعوا حبيباتهم بمناديل الحسرة والأسف كان شاهداً على صعودها الى أعالي السماء،سماء الحب المضاءة بثريات خدود الجميلات المنتظرات تحت الأشجار الأرجوانية التي كان الأحبة قد حفروا على أذرعها أسمائهم وذكرياتهم الشفيفة أذ أتخذوها ملجئاً ومتكئاً من العابرين.





بهذه الأجواء الساحرة وبغنائية مفعمة بالموسيقى ذات الموج المرح المنساب إلى المتلقي ألحاناً شعريةً دافئةً تموسقها تنهدات الشاعر وهو يقدم خلاصة عاطفته المتقدة وفكره المستمدان من ذات غائرة بالعشق وعائمة بعوالمه المتناقضة المتشابكة الأحداث المتذبذبة بين السعادة الإنسانية المنشودة ونشوتها ومرارة الحزن والانزواء وخيبة الأمل هكذا يغزل الشاعر السوري (محمد علاء الدين عبد المولى) قصائده في مجموعته الشعرية الحادية عشر(على ضريح السراب) كما يغزل الحالم جنائن أحلامه ويبدو ان الشاعر قد أدرك سرّ القصيدة الموزونة وحرفتها فأحترف الحب والشعر معاً فالنتاجات الشعرية السابقة للشاعر التي أ تؤيد هذا الرأي .فتمكن الشاعر من بناء نصه له نكهته الخاصة،وبصمته الفريدة ،أذ ان الشاعر العربي المعاصر يمرّ بأزمة تحديد جنس القصيدة العربية بين صعود وهبوط الأجناس الشعرية العربية المعاصرة المتضاربة.لقد ألف المولى الموسيقى الخليلية وأجتهد بتشكيل صورة شعرية مستنداً الى بيئته الشرقية، الى رؤاه ، الى أفقه الأبتكاري، إلى عذاباته الوجدانية بفعل تأثير الحبيبة(الشرقية) السلبية والإيجابية على ذاته الشاعرة المتمردة على الظلم الأنساني محافظاً على نسق تقاربي لبنية نصه الوليد.

أن نصوص المجموعة الــ((47)) غنية بالعاطفة ومليئة بأجترارات الحب،ذلك النداء السماوي المقدس الذي وهبته السماء أبناء الأرض أذ يطرق القلوب والجيوب،ذلك الهمّ الذي يعتري وجدانات العاشقين ويتملكهم لم تتغير طرائقه على مرّ الأزمنة بتغير الأمكنة وبتتابع سقوط الحضارات وولادة الأخر،كان الحب وما يزال وسيبقى نشيد الأنسانية الحميم ولغة القلوب الموحدة.أرتبطت الغنائية بالشعر العربي المعاصر بالإرث الحضاري العربي المتمثل بالإبداع الثقافي والأدبي المنبثق من الحضارة العربية الإسلامية الكبيرة .ويعدّ العراقيون القدامى أول من عرف الغنائية في الشعر على وجه البسيطة وذلك في القصيدة الميثولوجية"ملحمة جلجامش" وأول السطور بدأت بــ"هو الذي رأى فغني بأسمه يا بلادي"والغنائية ترتبط برمز حياتي أو وجودي أو ميثولوجي أو ديني أو سياسي ،الا أن الغنائية أرتبطت بالشاعر أينما وجد فقد تغنى الشعراء العرب أبان العهد الجاهلي ،صدر الأسلام،الأموي والعباسي برموز حياتهم والأخير شهد أزدهاراً معرفياً وثقافياً يوازي الازدهار الحضاري والعلمي حيث كان الشعراء يتغنون بالخلفاء وحبيباتهم والفاتنات الغانيات في مجالس الطرب والمرح ويتفاخرون بغنائيتهم لأنها وسيلة شرعية من المنظور الاجتماعي والأنساني.والغنائية المتمثلة بجرس القصيدة وأيقاعها الخارجي وغرضها الشعري ليست سبةً كما يدعي ويتصور بعض دعاة مدرسة الحداثة وما بعدها لأن كل نص يتضمن رمزاً شعرياً يتغنى به الشاعر من الوردة الى الجدار أو الرصاصة الخاطئة التي تخترق أجساد الجنود في الحروب كما أن ما ينظم تحت يافطة الكلاسيكية Classic يتضمن نصوصاً تقليدية بصورها وموضوعاتها المتكررة حيث يحاكي فيها شاعر سلفه على نفس النهج الأبداعي ويمكن درج النصوص ذات الخطابات المباشرة والأساليب التقريرية والتي تكرر نفسها ومضمونها وموضوعاتها ومفاهيمها الفنية التكنيكية تحت مفهوم المدرسة الكلاسيكية.أما النصوص التي حافظت على شكل القصيدة وعلى جرس القصيدة والإيقاع الخارجي للنص وعملت تغييراً مطرداً على مستوى الصورة المشكلة فأنها تمثل مدرسة (نيو-كلاسيك)New Classic بحيث تمثل تلك الصور معاناة الأنسان العربي المعاصر وهمومه المتفاقمة في ضوء تغييرات الحياة اليومية السريعة الأحداث.ويشفع لهذه النصوص أنها تصادق على الإرث العربي الشعري الثرّ حيث تعيد هذه النصوص علاقات الأشياء بالكون وتخترق حجب الخطابات المباشرة وتبتعد عن التسطح البنائي للصورة أذ أنها ترسم الصورة كما يرسم الفنان المعاصر لوحة تشكيلية معاصرة بأطار قديم وحقيقة الأمر أن أي أنعاش للتراث المعرفي والأدبي لأي حضارة يصب في مصلحة الأنسانية لأن جميع الحضارات العالمية تشترك في خدمتها للإنسانية ولا يمكن للإنسانية أن تغبن حق شعب من الشعوب المساهمة في أنمائها وأذكاء جذوة تطورها المعرفي.فللشعب الأنجليزي تراثه الأدبي الخاص وللشعب الياباني والأميركي والأسباني…الخ ومعظم الشعوب المتحضرة تحتفي بتراثها وتبني عليه الا أن الملاحظة التي شخصناها هي عدم ثقة المبدع العربي المعاصر بتراثه أو أنسلاخه منه متهرباً وكأنه سبةً أو تخلفاً وهذا وأن أشر شيئاً فأنه يؤشر خللاً في المبدع نفسه وليس في التراث أو الشعوب.ولكي لايذهب ذهن المتلقي بعيداً من الضروري ان أشير الى أن مدرسة (نيو-كلاسيك)New Classic ظهرت في الأدب الإنجليزي في فترة القرن الثامن عشر الميلادي المسمى بالعهد الأوغستي The Augustan Age وظهرت على يد شعراء عرب معاصرين في مطلع القرن العشرين دون تأكيد نقدي عليها أمثال الشاعر الياس أبو شبكة والجواهري وغيرهما.كما أنه من الجدير بالذكر أن نصوص المجموعة توزعت بين جنسين من أجناس الشعر العربي(العمودي والتفعيلة)وهكذا نجد أن الشاعر قد تجاوز عقدة التجديد الشكلي والتي بحد ذاتها تعتبر مؤشراً مغايراً لما أتفق عليه التجديد في شكل النص والثورة عليه وتهديمه وتفتيته الى مفردات نثرية مشحونة بالصورة المتدفقة الخيالية العارمة وهذا ما يحسب لصالح قصيدة النثر بمنظور الشعر .وهكذا( نجد أن الحب يجد أصله في ذاكرة أشياء السماء التي تأملتها النفوس من قبل،وهكذا فأن هذيان الحب،يستولي عليها عندما نتعرف لدى لقاء عابر،صورة هذه الوقائع السماوية.ويقول أفلاطون:عندما ترى النفوس صورةً لأشياء السماء،فأن ذلك يملك عليها وجودها،ويفقدها سيادتها على نفسها :معنى الفلسفة،تأليف فرديناند ألكييه،ترجمة:حافظ الجمالي،منشورات أتحاد الكتاب العرب،طــ1،دمشق،1999،ص239)لذلك يرقى الحب بالنفس لما هو سماوي خالص بعيداً عن الأشياء المتدنية أو ما يتصل بها(يا جنةً ما زلت أحلم أنها/سكني،وتجري تحنها أنهاري/أني أصطفبتك من عناقيد العلى/لأكون سرّ الخمر والخمارـ نشوة ص147) الا أن الشاعر يتحول في نفس القصيدة لهيامه ونشوته ليكون الحب جنته وعذاباته المستعرة(لا توبة تغني المسافر في الدجى/فتألقي في شمعة أستغفار/قد يغفر الملكوت كبواتي التي / تدني حروفي من جنون النار/ لا جنة عندي، وكل قصائدي/أني أزفّ إليك فجر النارـص75)أن التجربة الحياتية للشاعر عميقة وواسعة وهو ينتقل من موقف لآخر ويتعرض بين الحين والآخر للتناقضات الحياتية بما في ذلك الحب الذي يعيشه وينشده فيشبه حبيبته بجنية الفجر لجمالها الأخاذ وهذا بحد ذاته تناقض حياتي كيف يمكن للشاعر ـ الإنسان أن يعشق جنية مع اختلاف العالمين وتناقضهما عالم الأنس وعالم الجن يعلن الشاعر حبه الكبير لحبيبته الجنية( وجهت وجهي للحبقْ/مستسلماً لشعاع فجر ناحل عبر الحدائق/مرّ بالأبواب نائمةً،رأى أن الستائر لم تزل سكرى/بنجم كان يخطر قربها ويذيب في خيطانها فجراً جديداً لم يذقْ/الا ستارتك الصغيرة وحدها أنتبهت لصوت حفيفه/فأنساب منها نور جسمك وهو مطوي كبرعم فلة/تسهو قليلاً عن مفاتنها لتسمح للمكان/بأن يكون بكل أبهة الألقْ/قصائد على مقام جنية الفجر ص115)فعالم الشاعر كبير لا تحده حدود ولا سدود وهو مملكة مؤسسة على الحب والجمال والدهشة والمتعة والغرابة وكل هذا يحدثه الشعر مؤثراً في نفسه التواقة لقصائده الباهرة تأخذنا الى عوالم الجمال الذي تنشدها وسط قبح الرتابة وملل ضجر الروتين-الواقع لذلك رسم الشاعر ملامح عالمه الخاص،العالم الذي فيه ينتصر الحب على مضاداته الوجودية اللا إنسانية، العالم الذي يوقظ في أخيلتنا جذوة الأنسانية،فالشاعر يهرب من الواقع المأساوي المرير الى سرابه الجميل، الى عالمه المنتعش بكل ما يضدّ القيم الغريبة والتي أثرت في سلوك الإنسان المعاصر. أن الشاعر في الكثير من نصوصه لا يتردد في الإفصاح عن رغبته الممزوجة بالعاطفة القوية(نحن أشتعلنا غامضين/وكلما أنكشف الحريق لذاته هجرته جمرته تحاول الأنطفاء/فلا جناح عليك أن أمعنت فيما أشتهيه لا جناحْ../يا طيري العذري هل هذا امتحان فيه نجابه ضعفنا الكوني..؟/هل نار ونور نحن ، أم طين هوان..؟ـ لهب يسجد ليعينيها ص158)لقد أستطاع الشاعر أن يوظف الموروث القرآني في بعض قصائده بنجاح(سوف أذكر في كتاب الميم (مريم)/عندما أنتبذت مكاناً من فيوضات وأرسلنا اليها روحنا /فتمثلت أيقونةً رسمت بناموس الطبيعة/وأستوت فيها عناقيد تدلت هي آية نشوى بما حملت/فضضت رموزها الأولى/تنبت على دمي لما أستقلت – على مقام لؤلؤة أيلولص187)أن مريم الشاعر طاهرة ونقية في الحب لم تدنس لأن العودة إلى الطبيعة من وجهة نظر الشاعر عودة الى الفطرة والنقاء والطهر وهذا ما ذهب إليه الفلاسفة الطبيعيون مع المحافظة على خصوصية النص القرآني وسموه عن التحريف والزلل.ويسترسل الشاعر باعترافاته البوحية لحبيبته التي تمثل عاصمته الشعرية والروحية والجسدية (كم فيك بايع شاعر قلقاً/وأطلق في يديك شتاءه /فأستبني قمحاً يباشره/فأن الروح اول كلام القمح في جسد قديم/وصدى أجنته يسافر في بروق الأرض/ يسكن أي ينبوع فضائي تفجرْ/ من سرة نشوى لآلهة الجمال- سفر في مخيلة الحبر-ص15)بقي أن أشير إلى أن عنوان المجموعة تضمن قصائد تحمل معناه(سفر في مخيلة الحبر/قراءة في مشهد المحال/قصائد على مقام جنية الفجر/زفة بحرية /يدي على آنية السراب/زفة سرابية/بداية النهاية) وهذا يدعم اختيار الشاعر لأسم المجموعة،ويعود الشاعر ليؤكد حبه العلني وأنه وحبيبته في لحمة جسدية خالدة(بالحب أطوي فيك ثانية وتنتشرين كالشمس القديمة/ كم دفعتك بأتجاه الحلم حتى صرت أنثى أقتفي أحلامها/وأنا أطير من يديّ حمامةً بيضاء/تخطيء في الهديل لتغفري آثامها-مغفرة الضحى والليل-ص64) فالحبيبة قديسة الشاعر ومصدر ألهامه ووجوده وهو صوتها المنطلق بالحب الشرقي العربي الجنون فكانت قصائده أناشيداً للعشق وحكاياته الدافئة وأغان للعشاق الواقفين على أعتاب أقدارهم المتلألئة بالعاطفة الأنسانية الناصعة وهي تمثل رقيها الأيديولوجي والسيكولوجي .

*((على ضريح السراب)) مجموعة شعرية للشاعر السوري((محمد علاء الدين المولى))، مطبعة أتحاد الكتاب العرب،دمشق، 2004


علاء السعدي
مدير الموقع
مدير الموقع

المساهمات : 17
تاريخ التسجيل : 22/09/2009
العمر : 50

https://khalidalsaady.rigala.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى