خالد السعدي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

خالد السعدي/ طفولة شاعر..... د. فاضل التميمي

اذهب الى الأسفل

خالد السعدي/ طفولة شاعر..... د. فاضل التميمي Empty خالد السعدي/ طفولة شاعر..... د. فاضل التميمي

مُساهمة  علاء السعدي الثلاثاء سبتمبر 22, 2009 9:33 pm

خالد السعدي/ طفولة شاعر



د. فاضل التميمي

جامعة ديالى



للشعر مع خالد السعدي حكاية يتداولها الناس في مدينته(بعقوبة) تلك الحاضرة الآرامية التي فتحت أبوابها أمام مرأى نخلة عربية تحنو على شجرة برتقال.

حكاية خالد مع الشعر تنسل من بين حكايات المدينة، لتؤكد صدقه، وتواصله مع الحياة في زمن ندر فيه الصدق، وعز فيه الخيال... كان خالد من بين مئات الأطفال في المدرسة الابتدائية يحفظ الشعر، ويعرف حكايات الشعراء، حتى إذا ما اشتدّ عوده، وهو لما يزل طالبا في المدرسة المتوسطة قال شيئا يشبه الشعر... لم يكن الموقف غريبا، فقد سُبق خالد بمئات مثله كانوا يقولون الشعر على السجية، من دون معاودة، أو تحكيك...




وبعد أن فتّحتْ عيناه على يتم الحياة، والأب، وجفاء الانتظار صار خالد فتى، وصارت له أمنيات، وصار ينتقي مقعدا قصيا في جلسة اتحاد أدباء المدينة، يسمع بانتباه، ويسجل في دفتره أشياء لا ادري ما هي... حتى إذا أدركتنا الحياة في الربع الأخير من القرن العشرين شبّ الفتى عن خيال، وذاكرة، واخذ يزاحم (الكبار) في الصعود إلى منصة الشعر: منصة الكلام، وكان قد نشر- قبل ذاك- الكثير من القصائد في الصحف العراقية، وفي صحيفة العرب التي تصدر في لندن.

(ازعم) أنني قرأت الكثير من أشعاره، وسمعتها فقد كان خالد قريباً مني بحكم عملي في الجامعة، ودراسته في إحدى كلياتها... خالد يكتب الشعر بروح ولهة متوزعا بين الشكل القديم، وشعر التفعيلة، وقصيدة النثر، وفي أحايين كثيرة يكتب المقالة، وبعضا من النقد...وله نشاط متميز في(رابطة أقلام شابة) التي يرأس هيأتها....

في الشكل القديم من الشعر يتنفس خالد السعدي من رئات ثلاث: الوزن, والقافية، واللغة المنتقاة، وفيها يبتكر هذا(البعقوبي) الجميل وسائل اتصاله بالوطن، والحياة وهو يعيش محنة الوجود موزعا بين همّ، وهمّ... فمن بين كل المعاني المطروحة في الطريق، وبحسب قول الجاحظ التقط الشاعر معنى الوطن ليصوغ من عذاباته، و تهجداته، و انكساراته دلالات شعرية مضت به نحو عالم آخر انفتحت منه حكايات، ورؤى... حيث الشاعر والوطن شيء واحد: مقام، ومقال، عين، وحاجب، وبنية سؤال...

الوطن مفتاح الشاعرية المفضي إلى ألق الحياة، وأمانيها، ونخلها، ومدنها، وموتها، وانتشارها المهيب، وهو في شعر الشاعر ليس جغرافية محددة بإطار تاريخي معرف، هو شيء آخر مصوغ من نفس الشاعر، ورماد عينيه، ولغته التي تنهل من القرآن العظيم:

وجهت وجهي للنخيل

وعقدت عزمي أن أسافر في مداكْ

طفلا تعلق بين دمعات الوداع

وضحكة فضحت هواكْ

يا موطني الأبهى الذي ما دمرته الحربُ

في عيني ولا عين الرجالْ

إنا كبرنا من عذبات الخيالْ

وعلى الرغم من كل ما يحيط الشاعر من ألم، ونزف، وكوارث لا يعرفها إلا الله إلا انك تجده منسجما مع حواسه، وانشطاره الإنساني المعذب، يضحك، ثم يبكي، ثم تكتمل رؤاه بأثر (قباني) مدلل:



احتاجها وطنـــاً يلـــمُّ شتـاتي
إني نذرت لشعـــرها كلماتــي
أحييت أحلام النساء بــــريشتي
بالحسرة الحرّاء من حســـــراتي
وطني الأنوثة كل نهر قد جـــرى
منها ليحيي غافي الصبـواتــــي
واليوم ارجــع ثائراً لا ارتضـــي
غير النهود وخمـرة الحــــلماتِ




وعلاقة الشاعر خالد السعدي بالشاعر نزار قباني يتكفلها التأثر مرة، والمعارضة مرة أخرى، وهو في كليهما لا يرتضي لنفسه أن يكون مقلدا، وانما واعيا لطريقة اقتراب الصوت من الصوت الآخر، مثل ما فعل في قصيدته(اعترفي للبحر بحبي) التي عارض فيها قصيدة الشاعر الكبير نزار قباني(هل عندك شك).

أما في قصيدة النثر فالشاعر يستثمر فيها النثر لغايات شعرية تنطوي على ثيمات إنسانية، وأخرى سياسية تشتمل على قدر من الإيجاز، وتدفق الصور، والعناية بالأفكار... في قصيدة(أمي ذاكرة حاضرة للحليب والدفء) يكتب في شكلين شعريين: الشعر، والنثر، والقصيدة بمقطعيها الطويلين بيانا شعريا يستلهم من الطفولة هدهدات الموت، والفقر، والأمنيات، وأشياء أخرى، المقطع الأول نثري ينهض على فكرة التضمين الشعري: شعر يتقمص شعرا لتسيح الدلالة من فم ألام، وهي ترقص طفلها الذي لا يدرك الدلال نشيدا أول توارثته من أم سومرية، أو بابلية، أو آشورية:

ديللول... يلولد يا ابني ديللول

عدوك عليل وساكن الـﭼول

الشاعر في هذه النشيج الأمومي يستذكر صورة العدو وقد تمنته الأم العراقية الرقيقة في خلقها، وأخلاقها عليلاً وقد سكن البراري، في لفتة كنائية صنعها خيال جامح، وخائف أبدا من عاديات الزمن... ترى من قال للام العراقية إن العدو يتربص بطفلها الدوائر منذ زمن بعيد؟ من قال؟ تلك ألام الصابرة، والمحتسبة إلى ربها والملفعة بالسواد وبياض القلب لا تملك إلا أن تتمنى لذلك العدو الأسطوري أن يمرض، وان يسكن الصحاري... وبعد فان قصائد(أوراق زهرة العشرين) استهلال شعري، ابتكره الشاعر لمتون قادمة، وليس غريبا أن يسميها الشاعر بهذا الاسم فقد أينعت كل ورقة منها في يوم من أيام سنيه العشرين...

لغة الشاعر في المجوعة لغة السعدي التي كانت منحازة إلى الإرث العظيم، والفصاحة التي تواشج بين لفظ، ومعنى ، وان تخللتها في أحايين(نثرية باردة)، مثلما في قوله:
قد وقفت ماكينةُ عقلي
وتبرأَ من دمعي أهلي
هاصرتُ الموال الأكبرْ
مذ سرقوا حبري والدفترْ
أو في قوله:
عندما اقطف من خديكِ
تفاحة عشقي الأزليةْ
يستدير النهد في كفي كالطفلِ
الذي يرمي النشيج على يدي
وأروم لثم كل مسامة

حيث تنزل اللغة عند الشاعر إلى درك النثرية، وهي تعيش أقصى حالات النثر المحض، ولعله في هذه القصائد هذه كان ثائرا، وعاشقا، ومنحازا إلى خارطة الوطن، والام، والحبيبة، والشعر، والأصدقاء قد عبّر عن ذات قلقة إزاء ما يحدث للحياة من تهميش، وتهشيم... هذا خالد السعدي في بواكيره الأولى طفل اطل على مباهج مبثوثة بين نار، ونار، وأرادٍ أن يقول ما عنّ له من كلام


علاء السعدي
مدير الموقع
مدير الموقع

المساهمات : 17
تاريخ التسجيل : 22/09/2009
العمر : 50

https://khalidalsaady.rigala.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى